الأخت / أم لــؤى
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم - حفظه الله - الإمام بالمسجد الحرام
خطبة الاستسقاء بعنوان :
سبب جدب الأمطار
والتي تحدَّث فيها عن أسباب جدب الأمطار عن الديار والبهائم والأشجار،
وهو أن الخير لا يزداد في هذا الزمان إلا قلة، والشر يزداد كثرة، والحق يزداد خفاءً،
والباطلُ يزداد شيُوعًا، وانتِشارُ المعاصِي بصُورها كبيرةً وصغيرةً،
والواجبُ على العباد رجوعُهم إلى ربهم، وتمسُّكهم بسنة نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم -؛
ففي ذلك النجاح والفلاح.
الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله
بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين،
فصلواتُ الله وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين،
وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - سبحانه ؛
إذ بها المُلتزَم، وعليها المُعوَّلُ والمُعتصَم، فبتقوى الله - سبحانه - تصلُح الأحوال،
وتحسُن العاقبةُ ويحلُو المآل.
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أنكم وما تأمُلون من هذه الدنيا ضُعفاء مُؤجَّلون،
ومَدينون مُطالَبون، وإن الأجلَ منقوص، والعملَ محفوظ. فلله؛
كم من دائبٍ مُضيِّع، وكم من كادحٍ خاسرٍ!
وإنكم - أيها المسلمون - قد أصبَحتم في زمنٍ لا يزدادُ الخيرُ فيه إلا قلَّة،
ولا الشرُّ فيه إلا كثرة، ولا الحقُّ فيه إلا خفاءً، ولا الباطلُ إلا شُيوعًا.
لقد كثُر الطمع، واشتدَّ الجزَع، وظهرَ الرِّبا، وكثُر الغشُّ، وشاعَت الرِّشوة، وعمَّ الغُلول.
ألا إن الواحدَ منَّا ليَرَى في غير ما سبيلٍ طُغيانَ النفاق، وانتِشار الكذبِ والزُّور،
والرِّياء والسُّمعة، واعتلاء صيحَات المُتمرِّدين عن دينِهم، المُتسلِّلين عنه لِواذًا،
والمُستهزِئين بشريعتِهم.
ومن قلَّبَ طرفَه بعين بصيرتِه فإنه لا يُبصِرُ إلا فقيرًا يُكابِدُ فقرَه،
أو غنيًّا بدَّل نعمةَ الله كُفرًا، أو بخيلاً اتخذَ البُخلَ بحقِّ الله وَفرًا،
أو مُتمرِّدًا عن حدود الله كأن في أُذنَيه من سَمْع المواعِظ والزواجِر وقرًا،
إلا من رحِمَ ربي، وقليلٌ ما هم.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله،
اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
لقد رجعَ فِئامٌ من الناس على أعقابِهم، فغالَتهم السُّبُل، واتَّكَلوا على الولائِج،
فاتَّخذوا من دون الله ورسولِه والمؤمنين وليجَة.
ولقد وصلَ أقوامٌ غيرَ الرَّحِم، وهجَروا السببَ الذي أمرَهم الله أن يُوصَل،
فنقَلوا البناءَ عن رصِّ أساسه، وبنَوه في غير موضعِه؛ فمن مُنقطِعٍ إلى الدنيا راكنٍ،
أو مُفارِقٍ للدنيا مُبايِنٍ
{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }
[ آل عمران: 185 ]
ومُحصِّلةُ تلك الأمور - عباد الله -:
خفاءٌ في الحق، وخمولٌ في الذِّكر، وقسوةٌ في القلب، ووحشةٌ بين العبد وبين ربِّه،
ومنعٌ لإجابة الدعاء، وكسرٌ في البَال، وضنكٌ في المعيشة،
ومحقٌ في البركة والرِّزق والعُمر، وحرمانٌ في العلم؛ إذ تتولَّدُ هذه كلُّها من معصية الله،
ومن الغفلةِ عن ذكرِه، كما يتولَّدُ الزرعُ من الماء، والإحراقُ عن النار.
فاستبدلَ أقوامٌ شرًّا بالذي هو خير، وجهلاً بما هو علمٌ ونورٌ،
وانتظَروا بسوء أفعالِهم الغِيَر انتِظار المُجدِب المطرَ من السماء.
فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو المُستعانُ وعليه التُّكلان،
{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
[ الشورى: 30 ]
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله،
اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
أيها المسلمون:
إن الله - جل وعلا - جعلَ من الماء كلَّ شيءٍ حيٍّ؛
ليختبِرَ عبادَه ويبتلِيَهم أيشكُرون أم يكفُرون،
فأنزلَه - سبحانه - من المُزنِ ليشرَبوا امتِنانًا منه - سبحانه - على عباده،
{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ }
[ الواقعة: 68- 70 ]
وجعلَ - سبحانه - الماءَ محنةً وبلاءً وعقوبةً يُرسِلُها للعاصِين من عباده،
والمُعرِضين عن هديِه وشريعتِه، كما فعلَ - جل وعلا - بقومِ نوحٍ وقومِ سبأ؛
فقد قال - سبحانه - عن قوم نوحٍ:
{ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ }
[ القمر: 11، 12 ]
وقال عن قوم سبأ :
{ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ }
[ سبأ: 16 ]
وقد جاء في "مسند أحمد" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( لا تقومُ الساعةُ حتى يُمطَر الناسُ مطرًا لا تُكِنُّ منه بيوتُ المَدَر،
ولا تُكِنُّ منه إلا بيوتُ الشَّعَر )
كما جعلَ - سبحانه - من أحوال الماء أن يُنزَّلَ من السماء،
فتكون الأرضُ له كالقِيعان لا تحبِسُ ماءً ولا تُنبِتُ كلأً،
وهذه الحال هي السنةُ التي ذكرَها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
( ليست السنةُ بألا تُمطَروا، ولكنَّ السنة أن تُمطَروا وتُمطَروا ولا تُنبِتُ الأرضُ شيئًا )
رواه مسلم.
وقد جاء في "مسند أحمد" مايدلُّ على أن قلَّة الأمطار وشُحَّها
وعدمَ الإنباتِ من علامات الساعة؛
فقد قال أنسٌ - رضي الله تعالى عنه -:
[ كنا نتحدَّثُ أنه لا تقومُ الساعة حتى لا تُمطِرُ السماء، ولا تُنبِتُ الأرض،
وحتى يكون لخمسين امرأةً القَيِّمُ الواحدُ ]
ثم إن البركة كلُّ البركة - عباد الله - في نزول الأرض التي تنبُتُ به الأرض،
ويحيا به المَوَات، كما قال تعالى:
{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا }
[ الفرقان: 48، 49 ]
عباد الله:
إنكم شكَوتم جدبَ ديارِكم، واستِئخار المطر عن إبَّان زمانه عنكم،
وقد أمرَكم الله أن تدعُوه، ووعدَكم أن يستجيبَ لكم.
ولقد كان آباؤُنا وأجدادُنا يخرُجون للاستِسقاء تائبِين مُنيبِين راجِين،
فكان لا يُخلِفُهم المطرُ غالبًا، ولربُّما نزلَ عليهم المطرُ وهم في مُصلاَّهم،
ولقد كانوا مع فقرِهم وقلَّة ذات اليَد عندهم أكثرَ بركةً منا، وأوسعَ عافيةً؛
وذلك بسبب قُربِهم من الله، وقلَّة معاصِيهم، وشُيُوع العدلِ بينهم،
والفِرار من الظُّلم فِرار الصحيحِ من الأجرَب،
وتطبيقِ شرع الله قولاً وعملاً في كافَّة شُؤون حياتِهم.
فلذلك حصَلَ لهم ما حصَلَ من سَعَةٍ في الدين، وبركةٍ في الرِّزق.
فالخيرُ والبركةُ والوَفرةُ - عباد الله - أمورٌ مرهونةٌ بالعدل، والحُكم بشريعة الله،
ورفع المظالِمِ عن الناس، وإقامة الحُدود كما أوجبَ الله - جل وعلا -،
والتمسُّك بهديِ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والعضِّ عليه بالنواجِذ.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله،
اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين،
لا إله إلا الله يفعلُ ما يشاءُ ويحكمُ ما يريد.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء،
أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء،
أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
اللهم أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
اللهم اسقِنا غيثًا مُغيثًا مريئًا مريئًا، طبقًا غَدقًا مُجلِّلاً عاجلاً غير رائِث،
اللهم اسقِ عبادك وبهائمَك، وانشر رحمتك، وأحيِي بلدك الميت.
اللهم إنا خرَجنا إليك من بين البيوت والأستار والأكنان، راغِبين في رحمتِك،
وراجِين فضلَ نعمتك، وخائفين من عذابِك ونقمتِك،
اللهم فاسقِنا غيثَك،
اللهم فاسقِنا غيثَك،
اللهم فاسقِنا غيثَك،
ولا تجعلنا من القانطين، ولا تُهلِكنا بالسِّنين،
ولا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ منا يا أرحم الراحِمين.
اللهم إنا خرَجنا نشكُو إليك ما لا يخفَى عليك، حين ألجَأتْنا المضائِق،
وأجاءَتنا المقاحِط، وأعيانا الترقُّب،
اللهم انشُر علينا علينا غيثَك،
اللهم انشُر علينا علينا غيثَك،
اللهم انشُر علينا علينا غيثَك وبركتَك، ورزقَك ورحمتَك،
واسقِنا سُقيا نافعةً مُروِيةً مُعشِبة، تُنبِتُ بها ما قد فات،
وتُحيِي بها ما قد مات، نافعةَ الحَياة، كثيرةَ المُجتبَى، تُروِي بها القِيعان،
وتسيلُ بها البُطنان، وتستورِقُ بها الأشجار، وترخُصُ الأسعار، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم إنك تُشاهِدُنا في سرَّائِنا، وتطَّلِع على ضمائِرِنا، وتعلمُ مبلغَ بصائرِنا،
أسرارُنا لك مكشوفة، وقلوبُنا إليك ملهُوفة، إن أوحشَتنا الغُربة آنَسَنا ذِكرُك،
وإن صُبَّت علينا المصائِب لجَأنا إلا الاستِجارة بك،
إننا عبيدُك، بنُو عبيدِك، بنُو إمائِك، نواصِينا بيدِك، ماضٍ فينا حُكمُك، عدلٌ فينا قضاؤُك.
نسألُك اللهم أن تُنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
اللهم أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،
واجعل ما أنزلتَ لنا قوَّةً وبلاغًا إلى حين.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمد، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين،
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله،
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسِل السماء علينا مِدرارًا.
No comments:
Post a Comment